الأحد، 23 يناير 2011

بناء الدولة الرهان الأول للحفاظ على الوحدة والسلم الاجتماعي




بناء الدولة الرهان الأول للحفاظ على  الوحدة والسلم الاجتماعي

                                                                            بقلم / محمد على عناش

> تتصاعَدُ بين الحين والآخر وتيرةُ الإحتجاجات في عدد من المحافظات الجنوبية، ولا يزالُ الوضعُ في محافظة صعدةَ متأزما وتخيم علىها أجواءُ الحرب، ويتصاعَدُ مع الأحداث التعاطي الذي يفتقرُ للرؤية والمنطق، ومع هذه الحمى تظهر على السطح دعوات على مستوى السهل والجبل والصحراء لمشاريع لا زالت في طورها الجنيني.. إنه طور التعبئة النفسية والشحن العاطفي، يقابلُ ذلك حدَّةُ الإستنفار الأمني والإعلامي لسلطة جعلت البلادَ تعيشُ أجواءَ حالة الطوارئ غير المعلنة.
إن ما يحدُثُ عبارةٌ عن مشهد في مسرح هواننا وعُقمنا اليمني، تحضر فيه لغاتٌ شتى باستثناء لغة الحوار والعقل والضمير الوطني، مشهد تحضر فيه كـُــلُّ المتناقضات من فسيفساء وعينا المأزوم وذاكرتنا المثقوبة وإرادتنا البراغماتية، لا لحل الأزمة الوطنية بل لتجذيرها ومراكمتها، بدءاً من السلطة وطابورها القبَلي والمافوي، وأمراء الجهاد، وبقايا اليسار الترويتسكي، وَإنتهاءً بالجيش الشعبي السلفي الحالم بخلافة إسلامية إمامُها من قريش، وأجزم أن الجميعَ يعملون بطريقة ما ضد الوطن، وضد الوحدة، لسبب جوهري أن الجميعَ ليسوا حاملين لمشروع الدولة كمشروع يحملُ في فضاءاته المتعددة مشروعَ النهضة والسلم الإجتماعي، ولذا فالجميعُ لا يُريدون لهذه الأزمة أن تحل وتنفرجَ، بالفعل هو مشهدٌ مثير ومدهش، يعكس للعالم أجمع حالة التردي التي نعيشها على جميع المستويات، حالة غياب المشروع الوطني بكل تفاصيله، وغياب الإرادة الوطنية والوعي الذي يتجلى في صور برامجية وخطط وحلول دقيقة للأزمة، ليحضر في النهاية الوعي المتشظي والأفق المتموضع من نوع جنوب الصومال، ووسط الصومال وشمالها، والنظام ليس بريئاً من الوصول بالأمور إلى هكذا مستوى، وهكذا ثقافة، بل هو المتهم الأول؛ لأنه أدار البلاد طوال ثلاثة عقود بلا مشروع وطني ولا دولة مؤسسات وعدل وقانون، وإنما بمشروع الإرضاءات ودولة القبيلة والمنطقة، مثلما هو المتهم الأول في استيطان الأمية الأبجدية بنسبة »٤٧٪« في محافظات بعينها نموذجها الكارثي محافظة حجة التي يصل عدد سكانها إلى مليون وسبعمائة ألف نسمة، والأغرب أنه مستعد أن يضحّي بالملايين من أجل الوَحدة والسلم الإجتماعي دون أن يستشعرَ أن الفسادَ وغياب دولة القانون والأمية تعتبر أهم التحديات التي تواجه الوَحدة والسلم الإجتماعي.
ولذا فأسوأُ الأنظمة هي التي لم ترسخ مشروعَ الدولة الديمقراطية الحديثة كهدف إستراتيجي للتنمية التي تقومُ على أسس وخطط برامجية متكاملة والتي تجهِّلُ مواطنيها كي تدعم أكثر عوامل بقائها، ولا يماثل هذه الأنظمة من السوء إلاَّ حراك سياسي واجتماعي لا يكون حاملاً لمشروع التغيير والبناء والتحولات، فكلٌّ منها سوف يُفضي إلى نتائج مدمرة؛ لأن البُنى المكونة للحالتين بُنى صراعية.
إن حَالةَ غياب المشروع الوطني الذي يمثلُ مشروعَ الثورة والديمقراطية وَالعدالة الإجتماعية غيابٌ مزمنٌ من تأريخنا السياسي لا يدركه ويستوعبه بدقة إلاَّ مَن كان على اطلاع واعٍ بحكاية سقوط أول جمهورية يمنية في ٥ نوفمبر ٧٦٩١م، والإلمام بالتفاصيل الدقيقة لمخطط التآمر على مشروع الدولة اليمنية الحديثة التي وضع لبناتها الأولى ورسم ملامحها المستقبلية شهيدُ الوطن إبراهيم محمد الحَمْدي مَن دفع مبكراً ضريبة التقاطع مع مشروع الشيخ »اللادولة واللانظام« كي يؤسسَ مشروعَ الدولة، وما نتج بعد ذلك من إفرازات وآثار مدمرة على جَميع المستويات، لا زلنا نـُـعاني منها حتى الآن. غيرَ أننا ندركُ أن ذاكرتنا الجمعية مفرغة تماماً من تأريخنا السياسي والإجتماعي والثقافي بكل تفاصيله واتجاهاته إلاَّ من تأريخ وثقافة ذات مضامين أسطورية وخرافية وحربية، الأمر الذي عَطـَّـلَ فينا القدرةَ على التحليل والتقصي والإكتشاف، وعطل فينا الكثيرَ من قيَم الإبداع والحرية، ولذا ندركُ أن الغالبيةَ العُظمى من اليمنيين لا تدركُ ماذا يَدُورُ ولا تستطيعُ تفسيرَ ما يحدث، وبالتالي عدم قدرتها على تحديد مصيرها وإنما تهيج عاطفياً لتبني أهداف وشعارات وتوجهات جاهزة، وإلاَّ كنا قد اسقطنا الفساد وتجار الأزمات والحروب والمزايدين على هذا الوطن منذ أول تجربة إنتخابية عام ٣٩م كفعل وطني دستوري مشروع.
ما يحدث يؤكد أن هناك أزمةً في البلد متعددة الملامح والأبعاد، والبلد ليس بخير كما يروج له طابور طويل من المتعيشين على الأزمات والفوضى في هذا البلد الغرائبي الذي أصبح يمثل طلسماً معقداً للكثيرين يصعب تفكيكه واستيعاب مشاكله من الظاهر.
وأعتقد أن هذا الطلسم ناتج عن التشكل المشوه والنمو غير الطبيعي في جميع الحالات والمستويات وفي مقدمتها الإنسان الذي يجمع في داخله متناقضات عدة جعلت منه بلا هدف، وانسحب ذلك في جميع الإتجاهات بدءاً من تركيبة النظام وتركيبة الحراك وتركيبة المثقف ورجل الدين والسياسي إلى آخر المنظومة التي تحمل بداخلها الشيء ونقيضه حتى صارت خصوصية يمنية تتداعى في الشعور واللاشعور منذ التناقض الأول في نوفمبر ٧٦م.
في الأخير سنضَعُ عدةَ نقاط رئيسية تمثلُ في جوهرها ومضامينها الضمانةَ الأكيدةَ في معالجة أزمة البلد، وحل كافة المشاكل، وبها تعززُ وترسخ قيم الوحدة والديمقراطية والسلم الإجتماعي، ويعزز الولاء الوطني في ثقافتنا وسُلوكنا ومواقفنا، بل وأجزم أنه من خلالها تحدث الثورة الإجتماعية والتحولات السياسية والإقتصادية الكبرى، هذه الحلول والرهانات هي:
١- بناءُ الدولة مؤسسياً وتصفيتها من الشوائب التي أعاقت وتعيقُ بناء الدولة منذ سنوات طويلة.
٢- القضاءُ على الفساد المالي والإداري بكل أشكاله وصوره.
٣- تدعيمُ إستقلال القضاء ونزاهته.
٤- القضاءُ على الأمية مع وضع خصوصية في هذا الجانب كهدف إستراتيجي لمحافظات »صنعاء، عمران، حجة، المحويت، صعدة، مأرب، الجوف«.
إنها رهانات وتحديات يجبُ أن توضعَ على طاولة الحوار الجاد والمسؤول، وأدعو الجميعَ أن يتفاعلوا في هذه المحاور بتقديم آرائهم ومقترحاتهم وتوصيفاتهم وحلولهم العملية الدقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ< محمد علي عناش 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق