الجمعة، 28 سبتمبر 2012

عقدة العزل



                                              ( عقدة العزل )


                                                                        ..........................


قراءة تاريخية لعقدة العزل /عادل شلي
...................................................


ـ الانسان الظلوم :( قام بوضع الاسلاك الشائكة وبناء المعتقلات ليعزل المختلف عن المجتمع والتفنن في تعذيبه وتحميله كل اوزار الهزيمة ويصب عليه لعنات الارض والسماء)
ـ الانسانالرحوم ( قام بتحرير المختلف من المعازل والمعتقلات ، وعمل على تجميعهم في محوى كبير وواسع يعزلهم عن غيرهم ولايحتلف عن معازل الظلوم الا ان المختلفين هم من يمارسون مهمة العزل على انفشهم .)
ـ لم يعالج الانسان الرحوم قضية وعقدة العزل ليتمكن من دمج المختلف في المجتمع ، وانما حولها الى حقيقة وامن كالظلوم تماماً بان المختلف غير قادر على الاندماج في المجتمع، وانه مصاب بداء يستحيل علاجه ،ويستوجب عزله ،وكانه مصاب بوباء خطير يستوجب عزل المصابين به عن الاخرين.
فساعد المصابين به على تاسيس محميتهم التي تقتصر على ابناء جنسهم حتى يعزلهم عن بقية حيوانانات الغابة دون ان يوضح السبب الحقيقي لعزلهم عن سواهم ،هل الخوف منهم؟ ، ام عليهم ؟ ام فراراً من مسئولية اعادة دمجهم بالمجتمع وحل مشكلة العزل من جذورها .
ـ توافق هذا مع هوى لدى قادة المختلف فسعوا الى تاسيس مهجعهم الخاص الذي يتولون هم مهمة ادارته وحمايته وجذب المنعزلين اليه وتحمل مسئولية الدفاع عنهم ومواجهة الاخر المتربص بالمختلف الذي تلقف رسالة الحماة بذات الوعي الملتبس خاصة بعد ان قاموا بتطهير المحمية من المختلف عنهم ،ليعلنوا بذلك عن وجودهم وبداية الصراع مع من يضيق به مع من حولهم الذين لم يقصروا في تغذية رهاب المعتزلين عن الاخرين ، ويبداء الصراع فيتحول المعتزلين من دور الفريسة الى دور الصياد ومن دور الضحية الى دور الجلاد .
فشن الحروب وتوسع بعيداً عن قلب المحمية ونقل الصراع والمواجهات الى خارجها .
الامر الذي حرف وشوه العلاقات المتميزة التي ربطت بينهم وبين المختلف فتبدلت من المنفعة الى الضرر ومن التعايش والقبول كل بالاخر الى القطيعة والعداء والصراع ،
وبنزوح المختلف الى المحمية مماحولها من المناطق يبدأ سيناريو الصراع المحموم وكأن حماة المحمية وحماة المناطق المجاورة كانوا يتوقون لذلك وكل له مبرره للصراع فاشتعلت الحرب ، وحقق حماة المحمية هدفهم في البقاء والتوسع ،وعجز حماة التماثل عن استأصالهم فاقروا بحقيقة وجودهم وتراجعوا عن اهدافهم .
لتبدأ مرحلة مفاوضات احلال السلام بين الفريقين
وبعد ان ساد شيى من السلام واعترف كل طرف بالاخر وانسحب المختلف من بعض المناطق مفسحاً لاعداء الامس مساحة للعيش فيها ،الا ان هاجس العزلة والاحتماء ورهاب الخوف من الاخر يدفعه لبناء جدار فاصل بينهما .
مما يدفعنا لقراءة المشهد بطريقة اخرى تعيدنا الى ماهو ابعد من مخاوف التاسيس الى ملامسة عمق المشكلة الموغلة في الوجدان الجمعي لرهاب الاحتماء لدى المختلف والتي جعلته يمارس دور العازل لنفسه عما حوله لتسقط صفة المختلف عنه ليتماثل مع نموذج الرافضين لاختلافه ويتجاوزها الى ماهو ابعد من فكرة القبول ثم التعايش وانما يسعى الى ممارسة الفصل والعزل على ذاته ليؤكد بذلك ان العقدة والخوف من المختلف لازالت ملازمة له ومتاصلة وحاضرة بقوة ،مما يعيدنا الى نقطة البدء وان فكرة العزل التي مارسها الظلوم ثم الرحوم ثم المختلف نفسه هي المشكلة الحقيقة والتي يجب معالجتها وان داوها بالتي كانت هي الداء لم تفلح .وان القوة والتمكين قد تجعل الاخر يقبل بك ولكنها في المقابل قد تظهر عدم قبولك بوضوح به ، مالم تعالج هذي العقدة من جذورها فسيظل الانسان ينحت في اعماق رهابه عما يغذي بقاء ونماء مخاوفه .
                                     ...................................................

هناك تعليقان (2):

  1. تاريخ الإنسان يعج بالمآسي دوما
    وتتكرر المآسي باسماء مختلفة
    يتخلى الإنسان عن انسانيته
    ويتغلب عليه الوحش الذي يسكن داخله

    ردحذف
  2. الانسان مسكون بوعي القطيع الذي يسعى الى سلبه من حقيقته الانسانية ومسخ فطرته .

    ردحذف