الأحد، 18 يناير 2015

القرش في البحر المتوسط

القرش 
القرش

الجزء الأول
في العشرين من تموز يوليو من عام ستة وخمسين، خرج صديقان إلى خليج توماس في مالطا للسباحة.
على الميسرة جاك سميدلي، وهو مدرب في البحرية البريطانية، وعلى الميمنة طوني غريك، وهو طالب من أبناء مالطا.
لم يكن في الماء أي شخص آخر غيرهما.
لم يعثر على أي أثر لجاك سميدلي على الإطلاق، وقد عرف الآن أنه تعرض لهجوم قرش أبيض من الحجم الكبير.
فك في المتوسط.
في الستينات، وبعد فترة قصيرة من حادثة جاك سميدلي، تحول البحر المتوسط إلى جنان سياحية. فقد شجعت الصناعة السياحية العاملين في شؤون العطل على تحويل المتوسط إلى مسبح نقي واسع، خال من المد والجزر ومن الأعاصير ومن الأنياب الحادة.
عندما نتحدث عن القرش الأبيض الهائل نفكر بأماكن بعيدة جدا عنا، مثل كليفورنيا وأستراليا وجنوب أفريقيا. حيث يصل طولها إلى سبعة أمتار، لتزن طنان.
أي أن الحيوان المفترس الذي كان يعتقد بأنه يفضل العزلة والانفراد، أصبح يقال اليوم أنه من الأسماك الاجتماعية المعقدة،  المفترس الأكبر.
من المدهش ألا نعرف الكثير عن مدة عيشه، وكيفية توالده، وما هي المسافات التي يقطعها، ولكن كان المرء يعتقد أن البحر المتوسط بعيد جدا عن منالها.
ومع ذلك تم اصطياد هذا القرش الأبيض الهائل عام سبعة وثمانين في أحد موانئ الصيد في مالطا. طوله البالغ ثلاثة وعشرون قدم يجعله موازيا لأي حافلة نقل عام منفردة كتلك التي في لندن.
أصيب أحد علماء الأحياء البريطانيون بالدهشة عندما سمع بوجود سمك القرش في البحر الأبيض المتوسط، فقرر معرفة المزيد عن الأمر.
تحول إيان فيرغوسون إلى باحث عن القرش الأبيض.
الأنياب تختلف جدا، أنظر إلى عمق هذه..
إنه يعتقد أكثر من غيره من العلماء بأن القرش شائع الانتشار في الأبيض المتوسط، ولكنه يصر على إظهار ذلك على الخريطة. يساعده في ذلك باحث أمريكي في القرش الأبيض هو مارك ماركس.
يمكن أن تسجل في الواقع أنه قياس منحرف.
نغادر فاليتا المرفأ الرئيسي لمالطا مع حلول الليل، بحثا عن القرش الأبيض الهائل. سنقطع خمسين ميلا نحو الجنوب، أي نصف المسافة التي تفصلنا عن الشواطئ الأفريقية. عند الصباح سنكون في الوقع المحدد.
مع بزوغ الفجر يحين وقت العمل.
هذا خليط من ماء البحر البارد الممزوج بقطع من سمك الأسقمري المضحون. ينتشر الخليط الدهني عبر المسافات لإغراء القرش. كان حساء السمك مقبلات، والآن هذا هو الطبق الرئيسي.
إذا مر القرش من هنا سوف يغريه الخليط، ويجذبه نحو القارب، بينما ستتولى رؤوس التون إبقائه فترة طويلة تكفي لمارك وإيان لتصويرهما وتعليمهما، وأخذ نماذج لحمية منهما لتحليلها في المختبر.
غربت الشمس في يومنا الأول دون أن يحالفنا الحظ حتى الآن، يبدو الأمر كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. مع أننا نبحث في موضوع جديد، فهذه أول مرة يحاول فيها العلماء البحث عن سمك القرش في البحر المتوسط.
مع بزوغ الفجر توجهنا إلى سوق السمك المحلي، من شبه المستحيل أن تحصل على معلومات عن سمك القرش في الأبيض المتوسط دون المجيء على ذكر القرش الأبيض. الحصول على المعلومات يعني النهوض باكرا والعمل بسرعة، قبل أن يصل السكين إلى عنق المعلومات القيمة.
أصبح إيان ومارك في سباق مع الزمن حيال تجار السمك.
أنف القرش، سبعة حراشف قرشية، وهي شائعة الانتشار في المياه العميقة التي تمتد من هنا وحتى شواطئ تونس. أي أنه نوع من القرش الذي يكثر في المياه العميقة. لدينا هنا القرش المزدرد، الأول ذكر والثاني أنثى. والثالث أنثى أيضا.
عثرنا في المستودع الخلفي للأسماك المبردة على شيء مثير جدا. إنه قرش درّاس يبلغ طوله ستة أقدام لم يسبق أن شوهد حيا في البحر. لو تأخرنا ساعات لتحول هذا الدليل القيم إلى شرحات من لحم السمك.
يبلغ مجموع أنواع القرش في المتوسط خمسة وأربعون نوعا. يرى صياد في القرش الذي يصطادونه كأي لحم عادي. أما في القدم فقد تعلم صياد المتوسط أن يتعامل مع القرش بخوف ورهبة.
يعود هذا المبنى الحجري الواقع على شواطئ مالطا الجنوب شرقي إلى عام ألفين قبل الميلاد.
وكان القرش الأبيض معروف لدى هذه الحضارات المبكرة التي كانت تهابه في حوض المتوسط، وخصوصا من قبل الإغريقيين القدامى.
كانو يسمونه لاميا، أي الوحش الهائل آكل اللحوم. وهي كلمة تتكرر عبر الزمن في الأساطير الإغريقية القديمة.
وكان هيروديتوس عام أربعمائة واثنين وتسعون قبل الميلاد أول من كتب عن مهاجمة أسماك القرش لبني البشر.
فقد تحدث عن تحطم الأسطول الفارسي على صخور آثوس في الشمال الشرقي من اليونان، وكيف كانت أجساد  البحارة الذين يسقطون في الماء تؤكل حية من قبل أسماك القرش. يمكن أن نعثر في هذه الفترة أيضا على أشعار يونانية مأساوية تتحدث عن قرش كبير  أكل ساقي غطاس إسفنج كان في طريق عودته من الأعماق إلى الزورق. وقد كتب الشاعر يقول أن هذه الضحية قد دفنت في البحر وعلى اليابسة في آن معا. قد يعرف البعض قصة جونا والحوت، ولكن إذا عدنا إلى النص الأصلي للترجمة سنرى أنه لا يأتي على ذكر الحوت على الإطلاق، بل يتحدث فقط عن حيوان بحري هائل. في القرن السادس عشر ادعى عالم الطبيعة الفرنسي غيلام روندليت بأنه عثر شخصيا في أمعاء قرش أبيض، على جسم بشري كامل النمو، ليوحي بأن من ابتلع جونا لم يكن حوتا بل لاميا أي قرش أبيض هائل.
مع بداية القرن نشرت مجلة لي بتيت باريسيان الفرنسية سلسلة من المقالات حول هجمات مؤكدة للسمك القرش في البحر المتوسط.
وقد سجلوا هجوما تعرض له غطاس إسفنج تونسي عام ألف وتسعمائة وتسعة، فقد فيه إحدى ساقيه.
هؤلاء النساء الأربعة تعرضن لهجوم بعيدا عن تريست إلى الشمال من البحر الأدرياتيكي، وقد ماتت إحداهن متأثرة بجراحها.
عام ألف وتسعمائة وتسعة وقع زلزال هائل في مسينا صقلية. قتل حينها مائة وخمسون ألف شخص، سحبت أمواج المد العاتية عددا كبيرا منهم إلى مياه البحر. يؤكد هذا التقرير العلمي الإيطالي أن صيادا أمسك بقرش أبيض بعد أسبوعين من ذلك على شواطئ صقلية بالقرب من أغوستا، وعندما فتحت أمعاءه عثر فيها على جثة طفل وشاب وامرأة.
هذه ساق امرأة من مفصل الركبة إلى أسفله.
وهنا بعض العظام، وحذاء أحد الرجال.
جرى تجاهل هذا التقرير العلمي الإيطالي الذي كتب عن قرش البحر المتوسط الأبيض، من قبل الجمعية الأخوة العالمية  للقرش الأبيض. تحدث العلماء الذين كتبوا بالفرنسية والإيطالية والعربية منذ زمن بعيد عن وجود القرش الأبيض هنا. ولكن مخطوطاتهم ما زالت مجهولة بالنسبة للعلماء الناطقين بالإنجليزية، ممن يستقرون في كليفورنيا وأستراليا وجنوب أفريقيا. لهذا يجهل زوار البحر الأبيض المتوسط وجود القرش الأبيض كليا فيه.
مع ذلك فقد تعرض أربعون شخصا منذ عام ألف وتسعمائة وتسعة لاعتداءات القرش الأبيض. أي عدوان واحد كل عامين. وقد أدى ثمانية عشر حادثا إلى موت ضحاياها.
بفضل الأبحاث التي قام بها فيرغوسون يمكن أن نتحدث اليوم بالتفصيل عن بعض هجمات القرش التي حصلت مؤخرا.
في الحادي والثلاثين من تموز يوليو من عام واحد وتسعين، أمضت إيكاسي يوما كاملا على شاطئ البحر في سانتا مارغاريتا شمالي إيطاليا.
ركبت الزورق وابتعدت قليلا في يوم جميل جدا. شعرت بضربة قوية أودت بي إلى الماء. وعندما صعدت إلى السطح شاهدت شيئا يتوجه نحو الشاطئ. ظننت من شدة الضربة أنها قنبلة قد انفجرت. حاولت السباحة للخروج من الماء، ثم رأيت شيئا أشبه بسمكة هائلة، كانت تسبح على سطح الماء تقريبا وقد تبين لي أنها هائلة جدا.
تبعتها السمكة لفترة شعرت أنها طويلة، ولكنها لم تلمسها.
كنت على مقربة من الشاطئ فرأيت امرأة تبكي طلبا للعون. نزعت القميص عني وهببت لنجدتها دون أن أعرف تحديدا ما أصابها. ثم رأيت زعنفة القرش تدور حول المركب. أصبت بالخوف الشديد مع إحساس بالسخافة أيضا، فقد ظننت أني أتخيل أشياء غريبة جدا، ولكن ما رأيته كان حقيقيا دون شك.
كان رأس القرش بهذا الحجم، أي أنه كبير جدا، وكان على مسافة عشرين سنتمتر مني. سبحت بعيدا عنه حتى أنقذني مركب مر صدفة من هناك. وقال من فيه أني كدت أحلق في الصعود إلى المركب.
حذر المستحمين من الشواطئ، وخرج الصيادون للنيل من القرش، وكتبت القصة على صفحا لندن تايم.
هذا هو الزورق الذي تعرض للاعتداء، سبق له أن عولج بالمعجون، ولكن علامات الأسنان ما زالت شديدة الوضوح. ولكن هل هي أسنان القرش الأبيض؟
بعد قياس المسافات التي تفصل بين الثقوب الناجمة عن السن والآخر، على الزورق هنا وفي أماكن أخرى، تبين أن سن القرش  الوحيد المسؤول  عن هذا الاعتداء متباعدة نسبيا. يلغي ذلك احتمال تورط مجموعات القرش التي تعيش هنا في بحر ليغوريان. التأمل في هذه العلامات والعودة إلى علامات مشابهة تركت على ألواح للتزلج من الألياف الزجاجية في كليفورنيا، يمكن القول ببعض من الثقة أخذا بعين الاعتبار وصف إيفان، أن الحيوان المسؤول عن هذا الاعتداء هو القرش الأبيض بالتأكيد.
ميول القرش الأبيض لمهاجمة الأشياء التي تطفو على سطح الماء يبرر الحادث الذي وقع في طريفا إسبانيا عام ألف وتسعمائة وست وثمانين.
تحول خوسي لويس بيريز دياس إلى أول متزلج على الماء في العالم يجرح من قبل قرش أبيض.
يعتبر القرش الأبيض فضولي بطبيعته.
ضرب القرش مؤخرة لوح التزلج، وما أن حاول لويس إعادة السيطرة عليه حتى عاد القرش ليعضه مرة أخرى وينتزع القدم معه.
يقع خليج براتي الخلاب على مسافة مائة ميل من روما وعلى شواطئ توسكاني. وقد شهد في شباط فبراير من عام تسعة وثمانين،  حادثا مروعا.
انطلق ثلاثة رجال من بيومبينو بالقرب من هذا لالمكان في تمام العاشرة صباحا، على متن مركب رسا على مسافة مائتي متر خلف هذا الحيد الصخري. كان لوسيانو كوستانزو أحد الرجال الثلاثة الذين على متن المركب وهو غطاس محترف، تكمن مهمته في ذلك اليوم إزالة بعض المواد الحيوية من على أسلاك كهربائية تمتد عبر الشاطئ هنا. عندما كان في قاع البحر يحاول إزالة هذه المواد، حدث شيء لن نعرفه أبدا. ولكن ما نعرفه بناء على اعترافات الرجلين الآخرين الذين كانا على متن المركب، وهما ابن  كوستانسو وصديقه الحميم، هو ان الغطاس خرج من الماء على عجل رافعا يديه في الهواء بحالة من الرعب التام، ثم حاول السباحة باتجاه المركب. أثناء سباحته نحو المركب يؤكد الشهود العيان ظهور قرش أبيض طوله ستة أمتار إلى جانبه ويدور من حوله، وقبل أن يتمكن كوستانسو من الوصول إلى المركب هاجمه القرش من الجانب الأيسر، وأخذ يهزه بعد أن عضه ثم غاص به إلى الأعماق.
سرعان ما وصلت مراكب الإنقاذ إلى هناك. هذا هو الفيديو الرسمي لأبحاثهم الذي لم يسبق أن عرض على العامة من قبل.
بدأنا نبحث مباشرة بعد وقوع الحادثة، فعثرنا على بعض البقايا هناك. وقد تم العثور عليها عندما شاهد الرجال نورس البحر يأكل شيئا في الماء.
غاصوا تحت الماء بكاميرا فيديو حيث عثروا على زعانف كوستانسو.
على مسافة مترين من الزعانف عثروا على قوارير الأكسجين إلى جانب حزام الغوص، دون أن يعثروا على أي أثر آخر له.
كان الحزام الملحق بالقوارير مربوط بعد. كما هو الحال بالنسبة لحزام الوزن أيضا. وكأن الشخص الذي كان فيها قد سحب بعنف من الحزامين والقوارير معا.
قيل حينها أن أسنان قرش أبيض تركت هذا الثقب في حزام الغطس هذا.
كما أن أسنان القرش تركت أثرا واضحا على قوارير الهواء عندما أمسك بلوسيانو كوستانسو وهزه بعنف.
جنت إيطاليا بحثا عن القرش.
وأخيرا توجه المزيد من الغطاسين للبحث عن بقايا ملابس كوستانزو أو أشلاء جثته.
عند عودة الغطاسين قالوا أنهم شاهدوا سمكة هائلة، على مسافة كيلومتر واحد من المكان الذي كنا نعمل فيه. ونصحونا بعدم العودة إلى الماء. كان لونهم شاحبا من شدة الخوف، ومعهم ابن السيد كوستانسو، الذي قال لقد وقع قتيل حتى الآن فلا داعي لأن تخاطروا بحياتكم للعثور على أثر لوالدي، فلا أريد أن يحدث ذلك لأي منكم. أعتقد من خلال ما رأيته ومن تجربتي الشخصية، أن قرش أبيض قام بهذا الاعتداء.
أكدت التقارير الرسمية في ميلانو أن قرشا أبيض قتل لوسيانو كوستانزو فعلا، ولا شك في أن القرش الأبيض يعيش هنا، فلماذا لا نعرف المزيد عنه؟
=-=-=-=-نهاية الجزء الأول.
الجزء الثاني
يعترف العلماء في عالم اليوم بوجود القرش الأبيض في البحر المتوسط، ولكنهم يقولون أنه يزور الحوض صدفة، ويتجاهلون احتمال إقامته هنا.
يعتمد هذا الرأي جزئيا على قلة المعرفة بعادات الأكل التي يتبعها القرش الأبيض في أماكن أخرى.
هذه جزيرة داير في جنوب أفريقيا. تجذب مجموعات الفقمات هذه أسماك القرش الأبيض للغذاء، وبما أن القرش الأبيض يسكن هنا، فقد استقر العلماء المراقبين إلأى جانبه. وقد تحول ما شاهدوه يحدث هنا إلى اعتقاد سائد وتوقعات شائعة، تقول أن أسد البحر والفقمة هي وسائل غذاء القرش الأبيض في كل مكان.
ما يعني أن غياب الفقمات يعني غياب القرش الأبيض.
يعتبر القرش الأبيض الذي يبلغ وزنه طنين حيوان مفترس يعتمد على نصب الكمائن للفقمات قريبا من الصخور. ولكنه يفتقد إلى الرشاقة اللازمة لمطاردة الطريدة الأسرع في أعماق البحر.
كانت هذه الجزيرة الصغيرة الواقعة في البحر المتوسط في الماضي موطنا لنوع من الفقمات، ولكن بما أن أحدا لم يرى أي منها منذ عقود مضت، ساد الاعتقاد بأن القرش الأبيض قد تحول إلى جزء من الماضي أيضا.
لا يوجد إثبات يؤكد بأن القرش كان يتغذى على الفقمات في هذه المنطقة، ولكن رغم ذلك إذا تأملنا في هذا الكتاب الذي صدر مؤخرا ليعتبر بالنسبة للبعض دليل نهائي عن أنواع القرش الأبيض، يرد فيه حرفيا:" وجد القرش الأبيض في البحر المتوسط، ولكن على مدار قرون من الزمن، أدى استنزاف ثدياته البحرية إلى القضاء على غالبية موارد غذاء القرش الأبيض، وهكذا فهي تعتبر نادرة جدا هناك.
ولكن معلومات فيغوسون تؤكد أن أعداد القرش كبيرة جدا، فهناك أكثر من مائتي عملية صيد ومشاهدات لسمك القرش منذ أن بدأ تسجيلها عام ألف وثمانمائة وخمسين. وقد سجل السواد الأعظم منها على الشواطئ الشمالية للمتوسط،  وخصوصا على شواطئ إيطاليا وبحر الأدرياتيك في يوغوزلافيا السابقة. أما اليوم فقد سجل انتقال لها إلى وسط المتوسط، وجنوب إيطاليا وصقلية ومالطا، وشواطئ شمال أفريقيا. هناك منطقة غنية بالقرش الأبيض تحيط بجزيرة فابينيانا، الواقعة غربي صقلية.
نحن في الطريق لإلى فابينيانا، موطن القرش الأبيض. يعتقد فوغوسون أن المتوسط يمكنه احتمال القرش الأبيض رغم غياب الفقمات. ولكن لتأكيد مقولته عليه ا، يحدد ما هو نوع الغذاء الثابت الذي يعتمد عليه. وعليه أيضا أن يحدد مكان توالدها إن كانت تتوالد هنا. رغم أن فابينيانا هي مكان انتشار سمك القرش فعلا، فإن فإن فيرغونسون وماركس هما أول الباحثين في زيارة ميناء الصيد هذا، للاطلاع على ما يعرفه الصيادين هنا عن سلوك القرش الأبيض في المتوسط.
إنه موسم الماتنسا، الذي يشهد المذابح التقليدية لسمك التون، والتي أخذت عمليات قتل عصابات المافيا الاسم منها.
توضع التونارا في وسط الخليج، وهي خيوط هائلة من الشباك الغارقة التي تعترض التون أثناء هجرته عبر الخليج، فتوقعها في هذا الممر الضيق من الشباك  الذي لا مخرج منه.
ينتهي بها الحال في كامرا دي مورتي أي غرفة الموت، التي تتمتع بأربع جدران وأرضيه. تشكلت ثلاث جدران من الشباك بالزوارق من الخلف. وفي هذه المرحلة يتأكدون من الشباك التي خارج غرفة الموت، ليعثروا أحيانا على القرش الأبيض، عالقا فيها. أي أنه كان يسعى خلف سمك التون  أيضا.
يقول أن آخر وقع سنة ثمانية وسبعين، وهو يذكر جيدا أنه عام ثمانية وسبعين لأنه كان حينها يوميا في مركب الميمنة، على عمق ثلاثين مترا حيث عثر على ذلك القرش في القاع.
هل كان في القاع؟
يقول أنه على عمق يقارب واحد وثلاثين مترا.
عام ثمانين عثروا على قرش أبيض آخر في الشباك. فحملوه إلى شواطئ فابينيانا، فتحوا أمعائه، فتبين لهم أنه كان قد أكل دلفين صغير.
عام سبعة وثمانين عثروا على قرش أبيض آخر، كانت أنثى طولها خمسة أمتار ونصف المتر، ووزنها حوالي طنين. وقد عثروا في بطنها على دلفين أكبر.
أكثر الحيوانات نضوجا.
آخر دلفين تم اصطياده كان عام ثمانية وثمانين وقد عثروا في أحشائه على دلفين وزنه مائتي كيلوغرام وقد انشطر من نصفه، أي انه كان جزءان. كان هناك اثنان وقد أمسكا بأحدهما وهو الأنثى أما الثاني فكان الذكر. وقد علقت الأنثى في المرحلة الأولى من غرفة الموت، أعني المرحلة الأولى من عملية الممر التي تؤدي إلى السمك، وتبين لهم أنها كانت ميتة، فأخرجوها من هناك على الفور. نزل أحد الغطاسين فيها وتأكد من وجود قرش آخر هو الذكر، وأخذوا يقطعون الشباك لإخراجه، أي أنه كان حيا عند اكتشافه فأطلقوا عليه النار ولكنه تمكن من الفرار.
هل تعني بذلك ان القرش الذي تمكن من الفرار كان ذكرا؟
تماما بالتأكيد.
أصعب عمل في التونارا هو قيام الغطاس بالكشف عن الشباك. فالربط بين الأنثى والذكر للقرش الأبيض في فابينيانا بلغ حدودا جعلت العامة يطلقون مثلا يقول: إذا  رأيت أنثى، أنظر من حولك، لن يكون الذكر بعيدا.
هل سبق لكليمنت أثناء اصطياده للتون أن شاهد إحداها حية بعد وقد تعرضت لعضة قرش.
نعم شاهد ذلك.
وهل يتكر ذلك؟
مرة أو اثنتين في العام. 
لقد شاهد واحدة هذا العام إذ جرت هذه السنة متانسا واحدة وقد شاهد سمكة تون وقد تعرضت لعضة كبيرة..
هل يجد العضة في المكان نفسه من التونا دائما؟
أحيانا ما تكون عند الذيل، وأحيانا..
 أحيانا ما تكون خلف الرأس؟ هذا شيق جدا.
وأحيانا عند الزعانف عند بداية زعانف التون.
بين عامي ثلاثة وخمسين وثمانية وثمانين أمسك صيادو فابينيانا بستة عشر قرش أبيض، كانت جميعها تتبع التون إلى داخل الشباك. توحي عضات التون بأنها تطارد وتؤكل من قبل القرش الأبيض. كما أن العثور على الأنثى والذكر حول التون، يوحي بأنها تولم على التون أثناء تزاوجها.
أي أن التون بالنسبة للقرش الأبيض هو أشبه بمطعم جيد يلتقون فيه للتزاوج.
تعارض أبحاثنا الفكرة السائدة التي تقول بأن القرش الأبيض مفترس مرتبك. فلا بد  أن يتمتع بالرشاقة والسرعة كي يتمكن من اصطياد التون. وهو يستخدم  لونه العلوي الداكن ببراعة للتمويه في الأعماق. بينما يعتمد على نظره الثاقب لاصطياد التون  بتعريض شكلها للضوء.
توشك المتانسا على بدايتها الفعلية.
يسحب الصيادون الشباك التي تؤدي إلى خارج الغرفة، لتقفل الباب على غرفة الموت.
تعتبر المتنسا عملية دموية، إنهم يصطادون التون على هذا النحو منذ العصور الوسطى.
ولكن الموسم في تضاؤل.
لم يصطادوا أكثر من أربعين سمكة اليوم، علما أن المتنسا في الماضي كانت تجمع أكثر من ثلاثمائة تون.
من المحتمل جدا أن يكون هذا آخر عام بالنسبة لهم.
هناك أوقات عصيبة تنتظر النوعين الأساسيين اللذان يعيشان على التونا وهما الدلفين والقرش الأبيض.
هذه هي الدلافين. لا يكاد المرء يصدق بأن حيوان من الثديات الرشيقة والاجتماعية وبالغة الذكاء كهذه يمكن أن تقع فريسة دائمة للقرش الأبيض. ولكن ثمانين بالمائة من أسماك القرش الأبيض التي صيدت في المتوسط  عثر في أمعائها على الدلافين. علما أن العلاقة بين القرش الأبيض والدلافين تعتبر قديمة مثل هذا البحر تماما.
هذا هيكل عظمي متحجر لدلفين يبلغ من العمر ثلاثة ملايين عام. الندوب والخدوش التي على العظام تؤكد دون مجال للشك بأنه تعرض يوما لعضات القرش الأبيض.
لدينا هنا ثلاثة أنواع من ديناميكيات وقع الأنياب،  جرت أحدها بطريقة تنتزع معها أجزاء من العظام. وترك الأسلوب الآخر علامة لحركة مستديرة ومعقدة للسن. أما النوع الآخر فهو بترك تأثير القطع المباشر على قاعدة المنطقة التي ينزل فوقها حسب توزيعه على العظام، ما يوحي بأن الدلفين تعرض لهجوم مباشر من  أسفل وعلى الجانب الأيمن منه. توحي علامة العضة بأن القرش الأبيض هو المسؤول عن هذه الهجوم، ومن المحتمل جدا أن يكون نوع من القرش الذي يصل طوله إلى أربعة أمتار ونصف المتر.
تقع محطة الأبحاث البحرية هذه على مسافة ثمانية أميال من فينيسيا. وقد جاء القرش الأبيض عام ثمانية وسبعين إلى هنا  لزيارتها.
كنا من هذا الموقع ننظر إلى الخارج فرأينا اثنتين من الزعانف تتحركان على إيقاع متناسق، على مسافة تتراوح بين أربع أو خمسمائة متر من هنا. وبدأنا نناقش ما إذا كان قرشا أم لا.
سرعان ما اختفى القرش وعادوا إلى الداخل، ونسوا الأمر تماما ثم تابعوا الغداء.
وفجأة تعرضت البنية بكاملها إلى صدمة قوية، أسقطت الصحن من يدي على الأرض.
تعرضت البنية إلى ضربة مباشرة من جسم قرش يبلغ وزنه أكثر من طنين. تمكن د. كفليري من الخروج والتقاط صورتين للقرش.
بعد لحظات من ذلك شاهدنا قطعة من دلفين بالقرب من البرج.
كان قد وضع أنيابه ليعض الدلفين من الوسط ومن الميمنة أيضا حيث ترك أثرا لأنيابه.
كان ما زال يتحرك ولكن من الواضح جدا أن القرش قد خلفه وراءه.
يبدو أن القرش قد تقيأ الدلفين. ليؤكد بالإثبات الدامغ أن الدلافين هي الغذاء الرئيسي لسمك القرش الأبيض في حوش المتوسط.
=-=-=-=-=-=-نهاية الجزء الثاني.
الجزء الثالث.
عاد فيرغوسون إلى فابينيانا لحل جزء آخر من اللغز. إذا كان القرش الأبيض يتوالد في المتوسط ففي أي مكان يفعل ذلك؟ لقد عثر على دليل حيوي مرسوم على جدار حديقة خلفية لأحد الصيادين.
يوجد بعض الصور الأصلية هنا عن  الزعانف التي قطعت ووضعت على الجدار،   يمكن أن ترى  بعض الانكماش.
يمكن أن ترى الجوانب هنا أيضا وهي في الواقع..
..فعلا...تنفصل عن الجدار.. كما يمكن أن ترى الكتابة بوضوح تام، وهي تقول سكوالو بيانكو أي القرش الأبيض، أنثى ألفي كيلو غرام تقريبا، وهنا طوله خمسة أمتار وخمسة وثلاثين سنتيمترا، التاريخ الثامن من أيار ماي من عام سبعة وثمانين.
الشيق في الأمر هو أننا نستطيع أن نرى ندوبا هي علامات للتزاوج من الذكر، الذي يبدو أنه أمسك بالأنثى من الزعنفة الصدرية، يمكن أن ترى بوضوح أنها كانت عضات خفيفة نسبيا.
فعلا وهذا ما نراع على الزعانف الأخرى أيضا.
من الواضح أن الذكر كان يمسك بها بأسنانه.
هذا يؤكد ما تقوله، وهو في الصورة الأصلية أيضا.
فعلا إنه واضح جدا.
أي أن هذا لم يحدث بعد أن وضعت على الجدار أو نتيجة المناخ، بل هو جزء من التفسخ الذي كان في مؤخرة زعانفها.
يتمكن الذكر من التحكم بالأنثى أثناء التزاوج عبر إمساكها من زعانفها الصدرية.
بما أننا نعرف بأن الذكور تتزاوج من الإناث في أنحاء فبنيانا، من المحتمل جدا أن يكون هذا التزاوج هو السبب في تعرض هذه الأنثى لعضاتها الخفيفة.
بفضل النماذج التي تم الحصول عليها من أسطول الصيد  في المياه العميقة هذا في مازارا ديل فالو، الواقع على الشواطئ الجنوبية لصقلية، يمكن أن نحدد بدقة أكبر المكان الذي يتزاوج فيه القرش الأبيض في المتوسط.
هذه مجموعة من فك سمك القرش الأبيض الصغير، وقد تم اصطيادها حول صقلية وفي قناتها وربماعلى طول شواطئ شمال أفريقيا. ربما كان النموذج الأصغر لقرش حديث الولادة، وقد لا يتعدى عمره عام واحد. من المحتمل أن تلد أنثى القرش الأبيض صغارها في مياه البحر المتوسط، لهذا أعتقد أنها منطقة رعاية أطفال بالنسبة لهذا النوع.
تخطى هذا البحث حدود إقناع المشككين في توالد القرش الأبيض في المتوسط. لقد ثبت الآن بأن المنطقة التي حددها فيرغوسون وفولغوسيبين صقلية ومالطا وشواطئ أفريقيا الشمالية، هي أكثر المناطق دقة في العالم لتوالد القرش الأبيض. أي أن القرش الأبيض ليس مجرد زائر عابر إلى حوض المتوسط.
يخرج مع إيان ومارك طوني غريك، وهو أحد الناجين من هجوم قاتل لسمك القرش تعرض له جاك سميدلي في مالطا، قبل تسع وثلاثين عاما.
لقد وافق على مرافقتهما إلى النقطة المحددة في خليج توماس، حيث تعرض للهجوم.
كنا نستمتع بالسباحة وفجأة سمعت السيد سمادلي يصرخ قائلا انتبه هناك. فأدرت راسي إلى حيث يفترض أن يكون السيد سمدلي فلم أجد شيئا. وفي الوقت نفسه شعرت بأن شيئا ما يلامس جسدي، من تحت الماء، فوضعت يدي عليه، أما المنطقة التي لامستها فكانت باردة وقاسية ولزجة. كما رأيت أمام ناظري زعنفة ولا أذكر جيدا ما إذا كانت زعنفة صدرية أو جانبية.
كما تنبهت إلى أنه إلى جانبي الأيمن وعلى مسافة قصيرة، رأيت ذيل السمكة يخرج من الماء.
وفجأة رأيت شيئا غريبا تحت الماء دون أن أتمكن من تحديده بدقة، ولكن فجأة رأيت السيد سميدلي يغرق ويعاد إلى الأعماق مرة أخرى حتى اختفى تماما عن ناظري.
يمكن مما عرفناه حتى الآن عن سلوك القرش الأبيض في المتوسط،  أن نستوحي الاحتمالات التي أدت إلى مقتل جاك سميدلي.
تبين لنا أن البيئة في سان توماس وغيره من الخلجان على طول الشواطئ كانت تختلف جدا عما هي عليه اليوم. نذكر من بين عناصر  الاختلاف أنهم كانوا يصطادون التون بكثرة في هذه الخلجان بالقرب من الشواطئ. كما نعرف من السجلات أيضا أن القرش الأبيض كثيرا ما كان يعلق في هذه الشباك هنا. أعتقد أن ما حدث في ذلك اليوم هو أن القرش الأبيض كان يطارد التون،فعبر الخليج حيث ظل السمكة التي كان يتبعها، ولكنه قرر أن يتسكع هناك لبعض الوقت. الشخصان الوحيدان اللذان كانا يسبحان بعيدا في الخليج عما جاك سميدلي وطوني غريك. أي أنهما كانا فرصة ثمينة بالنسبة للقرش الأبيض إذ أنه شاهدهما بسهولة هناك. يبدو أن القرش سبح خلفهما، ثم صعد إلى سطح الماء حيث أمسك بجاك سميدلي، دون أدنى رغبة لديه بالتخلص منه.
 رغم أن معدل الإغارات في المتوسط أقل مما هي عليه في أماكن أخرى من العالم، إلا أن عدد الضحايا الذين يبتلعهم القرش تماما، أعلى بكثير. يعتاد القرش الأبيض في المتوسط على أنواع مختلفة من الأطعمة، ويبدو أن هذه اللائحة أحيانا ما تشمل البشر.
هذه نهاية أعمال القرش الأبيض. جرى في السنوات القليلة الماضية اصطياد سمكتي قرش أبيض هائلتين على يد صياد واحد،  هو ألفريدو كوتاجار، من قرية فيديزوريا. بالقرب من جزيرة فلفله في مالطا.
متى تمكنت من اصطياد هذا القرش؟
قبل ثلاثة وعشرون عاما.
قبل ثلاثة وعشرون عاما. بأي حجم كان حينها؟
ثمانية عشرة قدم.
ثمانية عشرة قدم. وفي أي جانب من مياه مالطا عثرت عليه؟
عثرت على هذا قريبا من فلفلة بالشبك.
حسنا، على السطح أم في العمق؟
بل في عمق البحر.
في عمق البحر. يبدو ألفريدو ا، هذا القرش الثاني من الحجم نفسه أو حتى أكبر من الأول. متى أمسكت به؟
عام سبعة وثمانين.
عام سبعة وثمانين. وكم كان طوله؟
ثلاثة وعشرون قدم.
ثلاثة وعشرون قدم، يا إلهي، وهل تم اصطياده بالشبك أم في..
كلا بل بالخيط والصنارة.
بالصنارة والطعم.
نعم بالخيط والصنارة والطعم.
وكيف تمكنت من رفع القرش إلى السطح، ومنه إلى الميناء.
جررته بالقارب وعدت إلى المرفأ ببطء شديد لأن حجمه كان أكبر من حجم القارب، الذي كان طوله خمسة عشر قدم، أما القرش فبلغ ثلاثة وعشرون قدم.
أي أنه أكبر من القارب بكثير.
فعلا أكبر من القارب بكثير.
أخذ ألفريدو القرش إلى منصة عند فيديزوريا حيث قام بعمل سخيف جدا، لأن قلب القرش كان ما يزال ينبض في تلك اللحظات بعد.
كان القرش أكبر من أن تتعامل معه الرافعة، لهذا قاموا  بإعادته إلى الماء. فربط في قارب أكبر، وسحب إلى مرفأ صيد أكبر في مارساسلوك، حيث أخرج من الماء بالرافعة، حيث تمكن المتحمس المحلي لسمك القرش جون أبيلا من إلقاء النظرة الأولى عليه.
أخرج القرش من الماء بهذه الرافع ثم حمل بشاحنة. عادة ما تشحن الأسماك من هنا وهذه أول مرة تسنح لي الفرصة بقياس قرش، لأنه كان ممددا على الأرض. تبين لي بدقة أن طوله ثلاثة وعشرون قدم وخمسة إنشات. قمت بقياسه مرتين للتأكد من دقة القياس. عند فتح أمعائه عثرنا على قرش أزرق يبلغ طوله ستة أقدام لم يتعرض لخدوش. ودلفين طوله ثمانية أقدام قسم إلى ثلاثة أجزاء، وسلحفاة طولها قدمين.
تحول جان أبيلا إلى المالك الفخور لهذا الفك. وما زال قرش ألفريدو الذي بلغ قطره سبعة أمتار بانتظار تأكيدات كتاب غينيس للأرقام القياسية ليكون أكبر قرش أبيض أنزل على اليابسة في أي مكان من العالم.
قبل أن نخلص إلى نتيجة مفادها أن المتوسط يعج بالقرش الأبيض، هناك قصة من شمال المتوسط وعلى مسافة سبعمائة ميل من جزيرة مالطا، جاءت من منطقة يقال أنها كانت مرتعا للقرش الأبيض.
تخرج هذه المجموعة من هواة صيد الأسماك إلى البحر الأدرياتيكي بحثا عن القرش الأزرق وهو أحد أقارب القرش الأبيض.
استنزف هواة صيد الأسماك في الماضي هذا النوع من القرش في تلك المياه. ولكن بيغ غيم إيتالي تساعد العلماء اليوم على الإمساك بسمك القرش وتعليمه وإعادته إلى الماء مرة أخرى.
تقود إيرين بيانشي العملية المنتظمة الوحيدة التي تقوم بوضع علامة على القرش وإطلاق سراحه في المتوسط. قد يكون الوقت متأخرا لأن القرش الأزرق يجول في البحر الأدرياتيكي سعيا وراء حياة نادرة.
إذا عادت هذه العلامات إليها يوما ستمنحها معلومات قيمة عن نمو وهجرة القرش الأزرق عبر حوض المتوسط.
يعتبر القرش الأزرق كل ما نراه اليوم من هذه البيئة التي ازدهرت يوما بأسماك القرش هنا.  كان القرش الأبيض يكثر هنا أيضا، أما اليوم فهو زائر عابر في أفضل الأحوال. قبل أربعين عاما من اليوم كانوا يجدون الكثير من مواردهم الغذائية.
كان لدينا شباك لصيد التون على طول الشواطئ في الشرق والمناطق المحيطة بتريستي. كانت لدينا كميات هائلة من المراكب التي تخرج للصيد، وكانت لدينا دلافين تنتمي إلى نوعين، العادي منها وذات الأنف القاروري. كانت كميات هائلة اتفقت عليها السلطات الكرواتية والإيطالية.
ولكن على مدار الأربعين عاما الماضية تسرب التلوث الزراعي والصناعي من قلب إيطاليا لينساب عبر نهر بوي ويصب في مياه البحر الأدرياتيكي، الذي تحول إلى مجرد مكب للنفايات السامة.
ماتت الأسماك، وما زالت الشواطئ عرضة للتشوه بسبب أنواع من الطحالب الكريهة. ولكل شيء ثمنه.
لم يعد هناك أنواع من التون قابلة للصيد، فاختفت شباك صيد التون كليا، ولم يعد هناك صيد صناعي للتون، واختفى أحد نوعي الدلافين كليا، وهو النوع العادي، أما ذو الأنف القاروري فما زال على قيد الحياة في بعض الجيوب المنتشرة على شواطئ كرواتيا.  من المعروف اليوم أن البحر الأدرياتيكي  هو أكثر البحار تلوثا في العالم.
إن لم ينل التلوث في المتوسط من القرش الأبيض من المحتمل جدا أن ينال منه  الصيد التجاري الغير منتظم.
ما قد يحدث في نهاية المطاف هو أن هذه الموارد ستنقرض تجاريا،  ما سيضبط عمليات الصيد، أما ما يعنيه هذا بالنسبة للقرش الأبيض فهو يثير علامة استفهام لا أظنها ستختلف كثيرا.
كانت عمليات البحث عن القرش على وشك أن تنتهي على شواطئ مالطا، ولم يبقى لدينا إلا الزجاجة الأخيرة من المزيج. كاد مطعم أسماك القرش على وشك الإقفال، ويبدو أن ضيفنا تخلف عن الظهور.
حان الوقت لتشغيل المحركات والعودة إلى فاليتا.
وضع حوض المتوسط على لائحة مناطق وفرة القرش الأبيض وتوالده. إلى جانب جنوب أفريقيا وأستراليا وكليفورنيا. علما أن القرش الأبيض قد يكون هنا على شفير الهاوية.
لقد أعطتنا أبحاث إيان فيرغوسون معلومات هامة جديدة عن سلوك القرش الأبيض، ما يثير إحساسا مأساويا لاحتمال أنها توشك على الانقراض من البحر الذي شاهدها فيه الإنسان لأول مرة.
ما يقلقني هو أننا إذا نظرنا إلى شمال الأدرياتيك، وكوت دازور، أو شواطئ لاغوريا في إيطاليا، حيث كان القرش الأبيض يوما جزءا من البيئة، في مراكز صيد التون حتى نهاية القرن وصولا إلى الخمسينات والستينات، ما يقلقني هو أنها اليوم نادرة وغريبة هنا، لهذا من الفرادة أن يتمكن المرء من رؤيتها.
ولكن رغم ذلك وبعد أن تحدثنا مع الصيادين الذي عثروا عليه في هذه الجزيرة، ومع الأشخاص الذين شاهدوه من المراكب أو أثناء الغوص، نعرف أنه هنا بلا شك، يجب ان أعود إليه، على أمل أن أكون أول شخص يستمتع بوضع علامة على قرش المتوسط الأبيض.
--------------------انتهت.
نقلاً من :
http://www.nabilkhalil.org/water002.html

إعداد: د. نبيل خليل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق