الأحد، 27 فبراير 2022

(رحلة الى سوق الصلبة بمديرية الشغادرة / م حجة)

 (رحلة إلى سوق الصلبة )

             بقلم / عادل شلي


يروي صاحب كتاب نشر العرف في اخبار نبلاء اليمن  بعد الألف .


قصة النهاية المأساوية التي تعرض لها هذا السوق الشهير ومدينة الصلبة .


- بدأت الرحلة في السادسة صباحا ولم نصل إلا هدفنا إلا في الساعة التاسعة .


طوال الطريق وانا أتخيل قوافل التجارة القادمة من ميناء اللحية وفيها من كل ماتهفوا اليه الأنفس .


والقوافل المحملة بالبن من وديان محافظة حجة ورائحة البن تعبق في الإرجاء تكاد رائحته الزكية التي تتسلل من على ظهور الجمال أن تغني عن صناعة قهوته وارتشافه


ولكنها تضاعف شوق الناس إليه .


أتخيل قوافلا لايستطيع الناس إحصاء عدد جمالها واحمالها.


- يقول المؤرخون أن المحطوري صاحب الفنجان دمر هو ومجاذيبه سوق الصلبة ولم يكتفي بتدميره وإنما قام باحراقه.


كان هذا في عام 1111هجري


مما يعني أنه دمر واحرق البنية التحتية والمقومات التي تفاعلت مع بعضها البعض لاكثر من قرن من الزمن على أقل تقدير .


عندما يذهب في غمضة عين تراكم عشرات السنين تشعر بحجم المأساة واختلال كفة معادلة ميزان بناء الحضارة لصالح قوى الهدم والدمار.


مهبول اعمى يجمع حوله مجموعة من المجاذيب ليقوم على حين غرة من ألف عمار وألف حارس والف بناء والف تاجر وووالخ من ادوات البناء بهدم كل شئ.


- اتجهنا إلى الصلبة من مغربة بينين والتي تعتبر تصحيف لمصطلح بانيان الذي أطلق على التجار الأجانب والهنود على وجه الخصوص.


وتصعد عبر طريق ترابي إلى بساط أخضر طرزت سندس جماله الخلاب سنابل واعذاق الذرة والدخن والدجرة ولكشري وأشجار القوع والتمار


انتعش ارواحنا لرؤية هذا البساط الأخضر وتنفسنا هواء نقي وامتلئت ارواحنا برائحة الحقول .


صعدنا إلى منطقة أعلى من ذلك السفح الذي يصعد من الوادي بإتجاه الشمال بامتداد واسع من الشرق للغرب.


صعدنا إلى سطح خزان الماء الخاص بمنطقة صلبة عبر سلم حديدي وخاطرنا بالصعود رغم اهتزاز درجاته.لكي نشاهد منظر البساط الأخضر من اعلى نقطة .


ثم نزلنا لنتوجه لالتقاط الصور وخلفنا السفح الأخضر المطرز بالأشجار الخضراء وأكواز الدخن والذرة .


لكي نلتقط صورة على تلك الخلفية لم نتردد عن السير إلى المنطقة التي تقع تحت الخزان والاشواك التي تغطيها.


-  أصدر المحطوري الساحر أوامره لمجاذيبه القتلة بذبح البانيان فذبحوا أكثر من 70 منهم مما يرجح أن عدد التجار الأجانب الذين استوطنوا مدينة الصلبة كان أكثر من ذلك .


فهل كان بينه وبينهم خصومة سابقة أكاد أجزم انه حتى لايعرفهم وإنما هو يشعر أنه يجسد البداوة في ادنة صورها حتى لو تورى خلف الدين وسوق الصلبة وتجاره الملاعين يمثلون المدنية في أقصى صورها.


الصراع بين العمران والترحال وبيت الشعر والتقدم والتخلف والعمل والإنتاج والغزو والسلب والنهب .


يتواطأ العقل البدوي ضد المدنية ولايتورع عن إقحام الدين ولايجد حرجا من استخدام السحر .


حيث يروي المؤرخين أن المحطوري الساحر كان يعمل لاتباعه المجاذيب تمائم تصرف عنهم الرصاص وتشحن طاقتهم وعقولهم للهدم والتخريب والقتل .


لا يحتاج أي ساحر أو محتال إلا إلى مجموعة من المهووسين ليدمر المدنية والحضارة وما أكثرهم .


- كانت الخطة أن نتناول طعام الفطور تحت شجرة التامور المعمرة بالصلبة .


ولكن تم استبدالها بالتبة التي فوق بركة الحاج عبده دليل .


- توجهنا بعد الإفطار إلى البركة التاريخية الفريدة التي يرجح الأهالي انها تعود للقرون الأولى للهجرة واظن انا انها شيدت بالتزامن مع فترة انشاء السوق وهو القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر.


- شيدت البركة على أرض مستوية  باسفل المنحدر الصخري القادم قلعة حميد وبيت الحاكم في الغرب والجنوب.


وهي على شكل دائري وتبلغ استدارة قطرها حوالي 75 متر تقريبا.


وعمقها حوالي  15 متر تقريبا حسب إفادة الأهالي .


لها حامية شمالية معرضة للخراب اذا لم يتم تداركها بشكل عاجل ولها حامبتات من جهة الجنوب الغربي وذلك للتخفيف من حدة انخدار السيول وللحيلولة دون كبس البركة بالتراب تم مضاعفة مشناتها إلى 3 .


للبركة بابان من الشمال وهناك مبنيان ملاصقان لها من الشرق احدهما لحارس البركة والآخر لضريح بانيها الحاج عبده دليل .


تكفل بالمرأجعة لاصلاحها الاستاذ أحمد الضلعي قائد رحاتنا الذي يدعوه أغلب أبناء الصلبة بلقب الشيخ أحمد .


والذي أفتى العقدين الأخيرين من عمره من أجل توفير المصالح لأبناء العزلة فهو وراء مشروع المياه ورص الطريق ومشروع المياه.


وكان برفقتنا الشيخ مهيوب سراع مدير عام مديرية الشغادرة الشاب الخدوم والمحبوب من أغلب أبناء المديرية .


والإعلام المتألق عبدالسلام الاعور


والشاب  المتميز راجح عادل.


- كانت خطتنا أن نمر على سوق الصلبة ثم نتوجه إلى قلعة حميد ثم مركز المديرية.


- مررنا بجوار شجرة التامور المعمرة التي قد نشرنا عنها في وقت سابق ...ولكن هل شهدت زمن ازدهار الصلبة وسوقها الشهير ولحظة خرابه ودماره واحراقه.


دخلنا إلى السوق من جوار مقبرة السالمية وانا اسئل نفسي هل تم دفن ضحايا المأساة في هذه المقبرة والذين يقدر عددهم بحوالي 200 من المسلمين و 70 من البانيان .


مررنا بجوار المجلاب والمجزرة حتى وصلنا إلى الباب الشمالي والمسمى باب النوبة والاسم مشتق من المناوبة وشاهدنا ابراج الحراسة التي تقع بجواره ومخازن السلاح وقال أحد رفاق الرحلة أين ذهبت هذه الأبراج والاحتياطات الأمنية وكيف تمكن مجاذيب الساحر من دخول السوق وذبح الكثير من تجاره وتدمير كل حوانيته ومبانيه وإحراقها


- زمررنا من الخط الذي شق السوق إلى نصفين وكأنه لم يكتفي الدهر بتدمير هذا السوق مرة واحدة وإنما قام مجاذيب جدد باسم التنمية وقاموا بشق الطريق من وسط السوق .


وهي طريق مهملة ربما أمل من شقها من وسط السوق بانها ستسهم في احيائه دون أن يدري انه ساهم في تحويل السوق إلى ضحية للسيول وماتبقى من آثار السوق إلى ضحية .


ظللنا تطوف في السوق حتى اقترب الظهر غير مبالين بالشمس والنباتات الشوكية التي نمت في كل مكان فيه


- يعتبر السوق من أكبر الأسواق حيث يمتد من الشرق للغرب بمساحة تقدر ب200 متر تقريبا ومن الشمال للجنوب بحوالي 20 متر تقريبا .


أقرب وصف للسوق


بدأنا من جهة الشمال حيث  باب النوبة ويقع فيه نوب الحراسة وأبراج مرتفعة مبنية بأحجار صلبة كبيرة ملبسة بمادة القضاض.


ويوجد إلى الشرق من البوابة الشمالية المجلاب الخاص بالمواشي


ويتكون الجزء الشمالي المحيط بباب النوبة من النوب ومخازن الأسلحة والخطوط الدفاعية.


 ومن أهم مايميزه أن من يدخل من البوابة يعبر  إلى ساحة ثم يعبر منها عبر ممر ضيق لايسمح إلا بمرور شخص واحد .


وتعلوه نوبة ارتفاعها أكثر من 4 دور لمراقبة الساحة والمدخل والمخازن.


- الباب الشرقي ويقع في الجهة الشرقية من السوق وهو الذي يفضي لداخل السوق مباشرة .


وتوجد فيه شوارع السوق المختلفة شارع الزبيب والقماش والحبوب والبن والقشر والحبال والقاز وووالخ


- الباب الجنوبي


ويقع أعلى السوق في الجهة الجنوبية ويقوم فيه مبنى الجمرك وملحقاته المكونة من الساحة الخاصة بالجمالة وتقع شمال الجمرك ومرابط الجمال التي تقع شرق الجمرك والخدمات مثل إلمقهى وسمسرة المبيت والطعام .


وأعلى الجمرك باتجاه بيت الحاكم تقع البركة الخاصة بالسوق .


ومن جهة الغرب يقع جامع السوق وهو مكون من جامع مخصص للرجال وجامع للنساء كما يصف دليل رحلتنا الشيخ أحمد الضلعي ،  وأمام الجامع بركة بديعة وفيها حمامات مفتوحة وحمامات مغطاة بسواتر..


- لم يسلم السوق من غزوات مجاذيب الكنوز  الليلية رغم الاجراءات الصارمة التي يفرضها سكان الصلبة ،  وعدم بناء الأهالي في خراب السوق والسطو على أحجاره يعود  للشيخ أحمد الضلعي مدير المدن التاريخية وشيخ المنطقة هو منع الأهالي من البناء في خراب السوق أو بيعه أو أخذ احجاره.


وكأنه يحلم باليوم الذي يتم فيه ترميم السوق وإعادة بعث الحياة اليه.


فهل أن الأوان لبعث الحياة لسوق الصلبة التاريخي ، ام ان لعنة الساحر تطارده لقرون طويلة...!

   ***



السبت، 5 فبراير 2022

رحلة الي موطن الغيوم والغيول والمطر " المروي "

 رحلة الي موطن الغيوم والغيول والمطر " المروي " 





         بقلم / عادل شلي


ـ تعتبر المروي احد قرى عزلة عبس التابعة لمدينة حجة.

وتقع خلف جبل ظفر - الحارس الامين للبوابة الغربية لمدينة حجة - من جهة الغرب.

وتبعد عن المدينة بحوالي 7 كيلو متر

ويتوجه اليها من طريق النصيرية مرورا بالشاهلي ثم منطقة ظلام وقبل ان تتوجه منه الى شمسان التابعة لمديرية مبين هناك فرع  على يمينك يتجه الي المروي.

سرنا نزولا في الطريق المؤدي للمروي وتوقنا بعد حوالي ثلاثين مترا 

لنبدأ رحلتنا سيرا على الاقدام نزولا من الجبل الى وادي حرب المنحدر من الشمال الى الجنوب والذي يقع غرب محل المروي انا ورفيق ودليل الرحلة الاستاذ العزيز / يحيى محمد العليي.

ـ تتكون المروي من عدد من المحلات منها المروي والمعزاب والطنب وبيت سعدان.

ـ نزلنا من الجبل الي الوادي لمسافة قصيرة ووصلنا الي اول الغيول الذي تم تجميع روافده وعيونه عبر قناة تم بنائها بعناية فائقة لتصب في ماجل الغرزة الذي بني على شكل شبه دائري ومساحته لاتتعدى 2×3متر

وخارج سوره الجنوبي فتحة دائرية كفتحة الابيار القديمة وقطرها حوالي 70 الى 80سم ثم تتدرج للاسفل وتتصل بقناة تم حفرها بعناية واتقان عميقا ويعبر من خلالها الماء حوالي 40 متر تقريبا ليصب عبر فتحتها التي يصل قطرها حوالي 80سم الي ماجل اسفيان.

ـ والمسافة بين ماجل الغرزة وماجل اسفيان حوالي 35 متر

ولاحظت بجوار وادي الغرزة ارض واسعة غير مزروعة وفيها بقايا اشجار كبيرة .

وهناك بجواره بجهة الغرب اساسات ماجل تهدم وغارت العيون التي تغذيه بالماء

ـ ماجل اسفيان يستقبل الماء من وادي الغرزة ومساحته حوالي مترين ونصف × 6 امتار.

وتتفرع منه قناتان اجدهما شرقية والاخرى غربية تسقيان الاراضي الزراعية التي تحيط بالوادي حتي الماجل الكبير وتمتد القناة الشرقية  حوالي 500منر والقناة الغربية حوالي 200 متر والتي تقع باتجاه جبل سهيل.

 ـ الماجل الكبير.

تبلغ مساحة الوادي الكبير حوالي 3×10 متر وعمق حوالي 3 متر تقريبا.

وتمتد القنوات من الماجل لتسقي الاراضي الزراعية غرب وشرق المسيل عبر قناتين لمسافة تصل لحوالي 800 متر تقريبا حتى تصل الي ماجل السربة.

ـ ماجل السربة

يوجد في منطقة السربة ماجلين الاعلي مكبوس ويقع شرق الوادي والاسفل لازال قائم ومساحته حوالي 2×6 متر وتمتد منه قناتان احدهما تتجه للطنب والاخرى باتجاه المعزاب بمسافة تتجاوز 800 متر تقريبا..

ـ وتستمر العيون والغيول في التدفق وتستقبلها المواجل مثل ماجلي الضولع في الطنب اللذان لم نتمكن من الوصول اليهما.

ـ من خلال الخارطة السابقة للمواجل والقنوات في وادي حرب الذي ينحدر من الشمال للجنوب بداية من ظلام وحتى المعصرة نجد اننا امام خارطة الغيول والعيون التي تتصبب من اعالي الجبال وانها بامتداد الوادي وان مهمة المواجل والقنوات تتجاوز وظيفة حفظ المياه وايصالها الى الاراضي الزراعية وتتعداها الى وظيفة جمع وحصد مياه الغيول والعيون التي اذا لم يتم الوصول اليها عبر القنوات وحفظها في المواجل فانها ستتسرب الى باطن الارض وتضيع وهنا تتجلى الوظيفة التجميعية للقنوات التي تمكن اهالي المنطقة من حصد وتجميع المياه والسيطرة عليها.

وهذه الخارطة نتاج عشرات التجارب وتراكم هائل للخبرات التي يصل عمرها لمئات السنين والتي اهلت المنطقة لتستحق اسمها المشتق من الارتواء.

فالمروي تعني الارض المروية.

ـ وقد لاحظت ان خارطة الغيول والعيون تتوزع بين جهتي الوادي وان هناك عيون تنبع من الجهة الشرقية واخرى من الجهة الغربية وان مصباتها شبه متقاربة ولهذا تجد بجوار ماجل الغرزة ماجل اخر غارت عيونه والمفترض ان يكون هناك ماجل قريب من ماجل اسفيان من الجهة الغربية ربما طمرته المياه وتهدم وغارت مياه الغيول الذي تغذيه.


ـ. الماجل الكبير يقع غرب الوادي وتتجمع الغيول اليه من قناتين وكنت اعتقد ان حجمه الكبير يغني عن الحاجة الى وجود ماجل اخر علي مسافة قريبة منه. من جهة الغرب وقد وجدت على بعد مسافة منه اشجار خضراء باسقة وارض مبللة بالماء مما يشير الى ان هناك عين قريبة تسرب مائها ويفترض انها كانت تتصل بقناة يصب مائها الى ماجل ما طمره السيول بالتراب وهذا الافتراض حتاج الى تأكيد من كبار السن في المنطقة.

ـ يزاد انحدار الوادي للاسفل من التبة التي باعلى ماجلي السربة بسبب  الصخور الكبيرة مما ادى الى طمر السيول للماجل الاعلى بالتراب .

 ـ. يتسع الوادي من تحت الماجل الكبير مما يشير الى ان هناك اراضي زراعية جرفتها السيول وهي السبب في اتساع حجم مسيل الوادي مما يشير ان هناك اهمال كبير من قبل ابناء المنطقة وتقاعس عن اصلاح الاراضي المتضررة من السيول واهمال في اصلاح المواجل التي غمرتها السيول بالتراب.

مما يوضح ان الملكية للغيول والمواجل تعود لجميع ابناء المنطقة .

وبسبب وفاة الشيخ عبدالله السنور والحاج شوعي بن حسن الصباح اللذان يعتبرهما اهل المنطقة حراس المواجل والغيول وحماة الوادي من السيول

تعرض الوادي ومواجله للاهمال والخراب.


 ورغم اشادة ابناء المنطقة بروح التعاون والاخوة فيما بينهم واحترامهم وحبهم واحترامهم للشيخ فارس السنور

واشادتهم بانجازاته في مجال الطريق والمدرسة والمشاريع الخدمية الا ان ماتتعرض له مواجل وادي حرب من الاهمال يستدعي تكاتف لفته كريمة منه والتفاف كل ابناء المروي لحماية المواجل وتنظيف ماطمرته السيول واستصلاح الاراضي التي جرفتها السيول.

ـ تعتبر القنوات والمواجل التي شيدها الاسلاف قبل مئات السنين هي الارث العظيم  والهبة المباركة التي مكنتهم من حصد وتجميع المياه والحفاظ عليها وتعتبر الامانة المقدسة الملقاة على عاتق احفادهم ويجب ان يحافظوا عليها ويورثوها لابنائهم لتظل هذه الارض المباركة محافظة علي اسمها ورسمها عبر الاجيال " المروي"

ولهذا ينبغي على جميع ابناء المروي الحفاظ عليها من التجريف والتسرب والطمر والضياع

 ـ لقد هالني رؤية العشرات من اشجار الذرح المتيبسة على طول القناة الغربية من السربة وحتي الطنب والتي يبست وماتت بسبب توقف جريان المياه عبر القنوات اليدوية القديمة واستغناء ابناء المنطقة عنها بالتمديدات البلاسنيكية " الليات" باللهجة المحلية وهذا امر مؤسف ومؤلم جدا ان تموت الاشجار العظيمة عطشا في الارض المروية.

  ستبكي الينابيع والعيون

 حتى يجف مائها

 على موت اشجار الذرح العظيمة وستحل اللعنة على من تسببوا بموتها بهذا الشكل المهين.


ـ لازالت اشجار الذرح العظيمة شامخة في مكانها رغم موتها منذ سنين لتروي قصة جشع ولؤم بني الانسان

وتصم الجيل الذي ماتت في عهده بالخسة والهوان.

ظلت اشجار الذرح العظيمة تجلب الخير والبركة لابناء المنطقة لمئات السنين وفي غضون عقد من الزمن تنكر ابناء المنطقة لفضلها ومكانتها فتركوها تموت عطشا وبصورة مذلة ومهينة

واذا لم يتم تدارك هذا العمل المشين من قبل ابناء المنطقة فستتعاطف كل الكائنات التي تدب على الارض وتلمع في السماء في الارض المروية لتنتقم من قتلة الاشجار الجشعين وجلب اللعنة عليهم وعلى نسلهم.

 وسيحل بهم الذل والصغار ويشربوا من ذات الكاس الذي شربت منه اشجار الذرح وستنتقل اللعنة الى كل الاراضي الزراعية وكل ابناء المنطقة.



ـ  الغطاء الشجري الكثيف لاشجار الذرح والطنب والقوع واللثب والتالوق والابرايه في وادي حرب لايوجد له شبيه في منطقة اخرى والاراضي الزراعية المهملة واشجار القات الهزيلة التي لاتساوي قيمة الماء التي يرويها تنبأ عن ماضي مشرق وحاضر مظلم يطويه السواد يدعوا للبكاء والحسرة على ضياع هذه الارض الطيبة واهمال اهلها لها ونزوحهم الى الهجرة للمدن والاغتراب في دول الجوار.

ـ وجدت ارض خصبة مهمة بجوار ماجل الغرزة وسئلت احد الاهالي عن اصحابها فقال لي احدهم ان صاحبها يتشقى مع الاخرين ويهمل ارضه فادركت ان هناك مأساة وسئلت عن ارض مهملة اخرى فقيل لي ان اصحابها مغتربين في دول الجوار وشاهدت اشجار القات الهزيلة في الاراض الزراعية الخصبة وعدم الاهتمام بها او رعايتها فادركت ان هناك خطب ما...!

 ووجدت بعض اسبابها في اشجار الذرح التي تم الحكم عليها بأن تموت عطشا وذلا في الارض المروية " المروي " واهمال المواجل المطمورة بالتراب وتجريف السيول للاراضي الزراعية.


ـ استمعت من رفيقي ودليل الرحلة الى ماكان يرويه كبار السن عن الغابة المظلمة بسبب كثافة الاشجار التي تقع تحت ماجل السربة والتي كانت تستوطتنها الوحوش المفترسة بمختلف انواعها الي منتصف القرن الماضي وان الجهة الغربية من اعلي جبل ظفر كانت محمية طبيعية يمنع الاحتطاب منها. 

ـ شاهدت عبث بلحاء الاشجار في الوادي مما يشير الى ان هناك خلل في الوعي واهمال كبير من قبل العقلاء بواجبهم في توعية ابنائهم بكيفية التعامل مع الاشجار.

ـ لم انمكن من مواصلة الرحلة الجريمة المرتكبة بحق اشجار الذرح فتوجهت ومرافقي باتجاه خراب السربة ولم استطع الارتقاء بمداركي الي مقام تلك الاثار العظيمة .

حيث وجدت باعلى التبة التي تقع تحت المسجد نصب حجري كبير علي شكل طائر اسطوري يرنوا بعينيه للعابرين  وضع بطريقة معينة ليرحب بالعابرين ويخبرهم بان صقور وجوارح الارض المروية ترقبكم ويعلن عن تواجد  حراس الجنان الوارفة بالارض المروية بالاعلى.

 وشاهدات هياكل المباني الضخمة التي لازالت قائمة لتنبأ عن عظمة وقوة. ومكانة عمارها ووجدت في بعض البيوت التي تهدمت سقوفها اخشاب الذرح التي قطعت بعناية فائقة في سقف احد البيوت الذي كان يستخدمه الاهالي الى وقت قريب لتظل شاهد على عظمة الاشجار وثراء الاسلاف ومكانتهم المرموقة. 

وعدت تلك الهياكل الشامخة بأن اسخر لها زيارة اخرى تليق بمقامها وعظمتها.

ـ وشاهدت في اسفل محل المروي اضرحة لقبور مقضضة محطمة ومهملة تحكي عظمة الاسلاف واهمال من خلفوهم في تعاملهم مع ارثهم الحي والميت.

ـ وصلت الى المسجد الذي زرته قبل عقدين من الزمن وشاهدت الاصلاحات والتوسعة فيه فقرأت الفاتحة على روح الاسلاف وروح المرحوم شوعي بن حسن الصباح صاحب البصمات والمأثر الطيبة هذا الرجل الاصيل الذي وجدت له بصمة في الوادي تتمثل في جسر اسمنتي طوله حوالي ثلاثة متر وعرض حوالي 70سم يعبر عليه المشاه فرحمة الله تغشاه.

ـ وجدت من عناية الاسلاف بالاراضي الزراعية في الوادي عبارة قديمة بنيت بمهارة عالية طولها حوالي ثاثة امتار وارتفاعها حوالي متر ونصف شيدت لتحمي الارض الزراعية من ارتطام السيول وتحول دون انحرافه عن مساره وجرفه للاراضي الزراعية.  

ـ وجدت في وادي حرب  اشجار لثب معمرة  يتجاوز قطر جذعها ستة امتار , ووجدت اشجار ذرح يتجاوز قطر جذعها حوالي اربعة امتار ووجدت ثروة كبيرة من الاشجار المعمرة في الوادي هي سر استمرار تدفق غيوله وعيونه.

ـ انتقلنا من المسجد الي بيت الفقيه سمير العليي الذي استقبلنا بحفاوة بالغة  وتغدينا وقيلنا في بيته واكرمنا بما يجعل الحروف عاجزة عن شكره  والثناء عليه بما هو اهل له. 

وبينما نحن مقيلين في ديوان سمير الفقيه انهمرت الامطار فبدأت في التسبيح والحمد والشكر واتصلت الى حجة لاستعلمهم عن المطر فاخبروني انه لايوجد اي مطر فسبحت الله علي فضله وجوده وكرمه الذي خص به ابناء المروي دون غيرهم واخبرتهم ان الفضل يعود للاشجار الكثيفة في المنطقة وطلبت من الاخ سمير ان يتواصل بالشيخ فارس ليجمع الوجهاء  في المروي ويحثهم للحفاظ على المواجل والارض الزراعية وزراعة الارضي الخصبة بالبن والفواكه الطيبة بدلا عن اشجار القات الهزيلة التي لاجدوى منها واستغلال الوادي بالشكل الذي يرضي الله والاسلاف ويتناسب مع خصوبة اراضيه وتدفق غيوله.

 واما لعنة اشجار الذرح فاذا اجتمع الاهالي  والتزموا بتخصيص جزء من ماء ماجل السربة وفوضوا الشيخ فارس السنور في معالجة الموضوع فلدي الوصفة المناسبة .

ـ اخبرني الاستاذ يحيي العليي عن غيل المروي الذي يقع بجوار الطريق الذي تمر منه السيارات الى المروي وانه من اخصب الغيول انه كان بجواره ماجلين.

وبهذا تكتمل لوحة العيون التي تغذي الارض المباركة " المروي" فتبارك الله احسن الخالقين.


ـ كانت الرحلة الى ارض الغيوم والغيول والامطار " المروي" من اجمل الرحلات وقد احتضنت العديد من الاشجار المعمرة وشعرت بالطاقة الايجابية تسري في كل خلية من جسدي فلولم يكن للاشجار من فائدة الا امتصاص الطاقة السلبية وتزويد من يقترب منها بالطاقة الايجابية لكانت كافية لتوقيرها واحترامها.

فتعاملوا مع الاشجار بمهابة واحترام لتكافئكم بالخصب وتدفق الغيول وجذب الغيوم والامطار..

ـ الصور بعدسة فريق التوثيق بمؤسسة حجة الثقافية التنموية.