الأربعاء، 26 يناير 2022

(رحلة الى مديرية بني قيس محافظة حجة)

 (رحلة الى مديرية بني قيس) 

        بقلم / عادل شلي

ـ تعتبر مديرية بني قيس من اكبر مديريات محافظة حجة من حيث المساحة .

ـ ويقسم وادي لاعة المديرية الى قسمين ويتوزع السكان فيها الى اربعة ارباع ربع الشمري وهفج وربع البوني ومسعود.

ـ وتعتبر ثاني مديرية في المساحة بمحافظة حجة بعد مديرية عبس.

وتبعد عن عاصمة المحافظة بحوالي 30كيلو .

ـ ويعتبر الطور مركز المديرية وفيه يوجد المجمع الحكومي والدوائر الرسمية وسوق المديرية القديم

 الذي يقام يوم الجمعة. 

ـ تشتهر المديرية بتربتها الخصبة والاراضي الزراعية الواسعة والصخور الجرانيتيه ولهذا شهدت في العقود الماضية توسع كبير في الزراعة واشهر محاصيلها من الحبوب الدخن والذرة ومن المحاصيل النقدية السمسم والحنا

وبسبب الغطاء النباتي اشتهرت المديرية بالعسل وتربية النحل ورعي المواشي والابل .

ـ وبسبب صخور الجرانيت يوجد في المديرية العديد من الكسارات ومصنع الاسمنت الذي يعتبر المصنع الوحيد في المحافظة .

ـ تاخرنا في النزول من حجة الي بني قيس لاسباب متعددة منها ازمة البترول وانقطاع الاتصالات وشبكة النت.

وصلنا الي بني قيس قبل صلاة الجمعة واستقبالنا مضيفنا احمد رصاص دموم والاخ العزيز عبدالله الهندي الذي كان تواجده اجمل مفاجأة.

توجهنا للصلاة في المسجد القديم الذي يقع بجوار السوق فلحقنا خطبة الجمعة والصلاة ووجدنا بعد الصلاة الشيخ احمد الشمري امين عام المجلس المحلي وشاهدنا مسجد السوق من الداخل بقبابه البديعة المبنية من الياجور وتحملها عقود مقوسة بنيت بشكل بديع.

وعددها ثلاث قباب بنيت على شكل مخروطي يسمح بنفاذ الهواء من الاعلي فيلطف الجو داخل المسجد.

ورجعنا الي الجزء الخلفي للمسجد ووجدنا سقفا من  الصبة مكان القباب وقال لنا الشيخ احمد الشمري ان البناء توقف في الجامع قبل ان يكتمل وانه كان يوجد بجوار المسجد فرن لصناعة الياجور لاحظت سماكة العقود التي تداخلت بشكل عجيب من مؤخر الجامع الى بدايته وبنيت بتلك الطريقة لكي تحمل ثقل الياجور الذي تبني به القباب ووجود الفرن الخاص بالياجور يشير الى انه حدث تصدع وضعف في القباب المتوسطة في فترات لاحقة وذلك بسبب طبيعة بنائها بطريقة مختلفة عن القباب الامامية والخلفية بحيث تكون مفتوحة من الاعلى وتغطى بالقش بما يسمح بدخول الضوء والهواء ولكن بسبب الاهمال تهدمت القباب وبسبب التوسعة الخارجية لفناء المسجد تم ازالة القباب وصب سقف المسجد بالصبة.

ـ المسجد مربع الشكل وطوله وعرضه حوالي 18متر ×19 متر تقريبا

بنيت اساساته بالاحجار السميكة وتم تشييد عقوده لتحمل قباب المسجد الذي من المفترض ان تكون تسع قباب.

عندما تنظر الي النوافذ تدرك ضخامة مدامك البناء الذي اعد ليحمل العقود الضخمة والتي بدورها ستحمل القباب التي يصل ارتفاعها لحوالي 10متر تقريبا.

ـ المرجح ان السوق بني في فترة تواجد الامام احمد كنائب لوالده الامام يحيى على لواء حجة .

 ونمط البناء للعقود يشبه نمط بناء الحقبة المتوكلية لائمة ال المنصور ويرجح ذلك ماقاله الشيخ احمد الشمري انه بني في عهد الامام يحيى حميد الدين وتوقف البناء فيه بعد وفاته.

 ـ واتخيل اعادة ترميم الجامع بقبابه التسع المرتفعة وازالة الصبة الخرسانية التي شوهت ملامحه واختيار مهندس عبقري يسمح بدخول الهواء والضوء من القباب ليستعيد هذا الجامع الفريد روعته وتألقه.

ـ تعود فترة نشوء الجامع الي عشرينات اوثلاثينات  القرن الماضي ويختلف عن المساجد التي تم تشييدها بجوار الاسواق الكبيرة على وادي لاعة بداية ببني العوام ومرورا بنجرة والشغادرة التي ازدهرت اسواقها بشكل كبير وشيد تجارها مساجد كبيرة تدل على مدى ازدهار تلك الاسواق وثراء تجارها مما يدفع للافتراض ان سوق الطور كان عبارة عن سوق محلي ازدهر بعد تشييد جسر وادي لاعة وتم استخدامه كمحطة اخيرة لتجميع البن القادم من سوق شرس وسوق مركز بني العوام باعتبارهما يقعا على جانبي جبل مسور وغيوله المتدفقة طوال العام ومنهما الي سوق الصلبة اشهر اسواق البن في اليمن ثم الى سوق المخلافة بعد خراب سوق الصلبة.

ـ انتقلنا الي جسر وادي لاعة الذي يشير المؤرخ يحيى محمد جحاف انه بني في نهاية العشرينيات من القرن الماضي وهذا مغاير للتاريخ الموجود علي اللوحة التي الموجودة على الجهة الشمالية من الجسر والتي تشير الي عام 1908م

ويعتبر الجسر هدية من الثري الامريكي تشارلز كوين حسب كتاب حجة معالم واعلام للمورخ يحيى محمد جحاف.

والمرجح انه حدث طمس  لرقم 2 من اللوحة لسبب ما والمرجح ان تاريخ البناء تم في نهاية العشرينات كما اورد المؤرخ جحاف.

ـ شاهدنا التأكل الذي حدث في بعض الواح الجسر بسبب ردائة الخشب الابيض المستخدم والذي لم يمر عليه سوى سنتان او ثلاث سنوات وقد اثيرت ضجة عن ردائة الخشب المستخدم في سقف الجسر حينها وقد تابعت الموضوع بنفسي فتواصل بي الاخوة في الصندوق الاجتماعي واكدوا لي انه تم فحص نوعية الخشب في المختبر المركزي واكدوا ان صلابته عالية ولكن نوعية الاخشاب ذات اللون الابيض التي تحطمت وتصدعت بينما الاخشاب ذات اللون الاحمر لازالت متماسكة يثبت انه حدث نوع من الغش في الخشب رغم ان من قام بتنفيذه هو الصندوق الاجتماعي  الذي لايوجد لدي ولدى غيري مثقال ذرة من الشك في نزاهة واخلاص القائمين عليه.

.

ـ يمتد الجسر بطول 40متر وعرض اربعة امتار حسب افادة مدير عام الاثار الاستاذ حمود غيلان.

وعدد الاخشاب التي تحتاج الى التغيير حوالي 40 مربوع.

ـ مر بجوارنا ونحن علي الجسر شيخ كبير يجر حماره بحذر وحرص شديد خائفا ان تسقط احدى قدميه في الفتحات التي احدثتها الاخشاب المتهالكة والتي خلعت من مكانها  ويبرر الاخ حمود غيلان انسبب سقوطها وتهالك الاخشاب الاربعبن هو الحمولة الزائدة للقلابات الكبيرة تلتي تمر على الجسر.

ـ وقد عمل مشكورا علي توفير 45مربوع من الخشب القديم وقام مدير فرع الاثار بالمديرية الاستاذ احمد رصاص بنقلها وتخزينها في احد المدارس وتكفل المجلس المحلي بالمديرية بمصاريف تركيبها.

ـ اتمني ان يتم تركيب الاخشاب المرابيع الجديدة مكان المرابيع المتهالكة حتى يأمن كبار السن على انفسهم ودوابهم عندما يسيرون على الجسر , وان يتم عمل التدابير المناسبة لمنع الشاحنات الكبيرة والمركبات ذات الاحمال الزائدة عن قدرة احتمال الجسر ويتم المحافظة عليها وتحويل المساحة التي تقع بين المسجد والجسر الى استراحة للزائرين للمنطقة.

ـ مررنا على السوق القديم بالطور ووجدنا السوق قد انفض والتجار يجمعون ماتبقى من سلعهم علي ظهور السيارات والقعايد الخشبية التي كانوا يجلسون او يضعون سلعهم عليها خالية .

ـ تناولنا طعام الغداء ببيت مضيفنا الاستاذ احمد رصاص وكان بصحبتنا الشيخ احمد الشمري وعبدالله الهندي وعدد من ابناء المنطقة وقد بالغ مضيفنا في اكرامنا باصناف الطعام المختلفة ثم خزنا بالقات الحرامي وقيلنا في مقيله واستمتعت بالاستماع لحديث الحاضرين وشد انتباهي حكاية مضيفنا عن صخرة الرعد والبرق والتي قال انه سمعها من شيبان احد المعمرين في المنطقة الذي روى له انه كان هناك نبع في وادي لاعه يقع بجوار صخرة كبيرة وانه كانت تفقد في هذا النبع كل عام فتاة في ريعان شبابها وبسبب تكاثر حالات فقدان الفتيات ذهبوا الى احد الاولياء في المنطقة الذي طلب منهم الحضور في يوم معين الي المكان الذي يقع فيه النبع ووصلوا جميعا في اليوم المحدد وصلى بهم ركعتين ثم رفع يديه بالدعاء وهم يلبون ثم امرهم بأن يغطوه بلحفه ويذهبوا بعيدا واخذ يرفع صوته ويديه بالدعاء وفجأة سمعوا صوت الرعد وشاهدوا لمع البرق و هوت صاعقة لقصف الصخرة وشاهدوا الدم يسيل من اسفل الصخرة الى النبع وظل الماء يسيل الى صباح اليوم الثاني.

مما يشير الى ان المنطقة بها ينبوع غزير من الحكايات الشعبية عن كرامات الاولياء والصالحين والحكاية السابقة تشير الى وجود تشابه كبير في الاساطير القديمة التي كانت سائدة في هذه المنطقة ومنطقة النيل عندما كانت ينابيع المنطقة تتدفق بغزارة كالانهار وان هناك قوى سفلية تمكنت من السيطرة علي الماء ولان الناس امتنعوا عن ارسال القربان اليهم كانوا يقومون هم باختطافهم.

 في الحكاية تشابه مع الاساطير التي انتشرت على حوض النيل وتقديم السكان الذين يعيشون على ضفافه قربان سنوي لفتاة عذراء للنيل لكي يفيض ويستمر تدفقه وجريانه.

قد تكون للحكاية جذور قديمة عندما كانت وديان اليمن انهارا جارية وكانت ديانة سكان تلك الوديان تشترط تقديم القربان " غذراء" ليستمر النهر في الجريان والتدفق , وقد تكون الاسطورة منقولة عبر الاولياء والصالحين من علماء الصوفية التي نشأت في مصر والسودان وانتقلت الي اليمن عبرهم وبعد ان استوطنوا المنطقة قاموا بنشر تراثهم فيها,  ومايرجح هذا وجود العديد من القباب والاضرحة للاولياء في المنطقة وفي كل الاحوال ينبغي الحفاظ على هذا الموروث وتوثيق الحكايات الشعبية في المطقة وحماية القباب والاضرحة من العبث والاهمال.

ـ توجهنا بعد العصر الي مركز المديرية القديم والذي كان يشتمل على المحكمة والسجن وادارة الامن والفرن ومكان اقامة العامل والمخازن ووالخ من مباني المالية والواجبات ومكونات المجمع الاداري في القرن الماضي والذي يقع الى الجنوب من المجمع الحكومي الجديد.

وعند اقترابنا بالسيارة وجدنا عدد من المباني والمخيمات العشوائية تسد الطريق 

 فاوقفنا السيارة ومشينا على الاقدام وشاهدنا بوابة جنوبية للمركز قام المهمشين بنصب مخيمهم امامها فلم نتمكن من الدخول للمركز منها وعبر طريق ضيق عبرنا للجهة الغربية ووجدنا مدخل طرح امامه باب ملقى على الارض  قام من استوطنوا المكان بوضعه ليحول دون دخول الاغنام والمواشي والمتطفلين اليهم ووجدنا علي يسار الداخل مبني مهدم السقف كان يستخدم كسجن حسب وصف الشيخ احمد الشمري امين عام المجلس المحلي وامامه ساحة تتوزع المباني حولها وفي الجهة الجنوبية يوجد المبني الرئيسي ومكون من طابقين مشيد بالياجور وله باب يعلوه عقد بديع تتوزع الغرف علي جانبيه وامامه من جهة الشمال سلم بني من الياجور يصعد للطابق الثاني للاسف تهدم وتشوهت ملامح درجاته فصعدنا للاعلى ووجدنا سقف غرف الطابق الاسفل مهدمة.

والي الشرق منه يوجد مبني اخر لازال هيكله منتصب ولم نتمكن من الوصول اليه بسبب الشوك وامام الساحة باتجاه الشمال يقع مبني المحكمة حيث تقطن احد الاسر المهمشة في الطابق الاسفل

وفي الطابق الاعلي ثلاث غرف طليت بالاسمنت وشيدت بالياجور والي الشرق منها يقع مبنى الفرن 

ويحيط بالمركز سور بني بالاحجار من كل الجهات.

و يعتبر المركز من اجمل المعالم في المديرية ويحتاج الى المحافظة عليه وترميمه وذلك لما يتميز به من نمط معماري فريد يؤرخ لحقبة تاريخية مهمة ونمط بناء الحصون والمراكز والمباني الحكومية في القرن الماضي ويمتد على مساحة كبيرة من الارض .

ولهذا ينبغي الحفاظ عليه وترميمه وازالة المباني التي ضيقت الوصول اليه والمخيمات التي بسطت علي جوانبه وداخله.

ـ ذهبنا بعد زيارة المركز للقاء المجاهد ابو العز الذي اسرنا بتواضعه ونشاطه وحسن اخلاقه وثقافته الواسعة وحبه للاثار ونشاطه وتحركه الدؤب وحب الناس له.

 ووجدنا لديه ذات الحب والشغف للاثار والموروث والفلكلور الشعبي.

وبحثنا معه العديد من  السبل الكفيلة بالحفاظ علي الاثار والموروث الشعبي في مديرية بني قيس.

وقضينا بصحبته اوقات جميلة وتعلق بنا وتعلقنا به ولولا ضيق الوقت المتاح لنا لما تركناه وغادرنا المديرية علي امل ان نزورها في اقرب فرصة ممكنة.

           .....

الف تحية لرفاق الرحلة وعلى راسهم الدكتور العزيز / محمد القيلي الذي استفدت كثيرا من غزارة علمه وسعة وعمق رواه.

وللشيخ احمد حسن الشمري امين عام المجلس المحلي

وللصديق العزيز عبدالله الهندي الذي كان لحضوره الق خاص وكان افضل مرشد ودليل.

ووافر الشكر لمدير عام فرع الهيئة بالمحافظة الاستاذ حمود غيلان ومدير عام المديرية ابو العز الشهاري ولكل رفاق الرحلة 

 

 


ـ الصور بعدسة المبدع / 

راجح عادل









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق